عشرون سنة كانت كافية للارتقاء بالعمل الإنساني وتجسيد مشاريع خيرية على أرض الواقع، فقد اجتمع متطوعون ممن يحملون أفكارا نبيلة بأحد رجال الأعمال ممن استشعر متعة العطاء فاتخذه سبيلا لخلق مبادرات انسانية خففت العناء عن الكثير من المرضى وحافظت على كرامة الفقير منهم، وساعدت المحتاج فحفظت ماء وجهه، فسعت إليه داعمة، متكفلة بانشغالاته في السر والعلن، وقد تم تأطير هذا العمل الخيري من الناحية القانونية لتسهيل نشاطه تحت لواء “جمعية طيبة للبر والإحسان”.
الدار نموذج يرتقي بالعمل الخيري إلى أسمى معانيه
يتكامل فريق من العمل في أسمى صور الإنسانية والتضامن في دار يصر القائمين عليها أنها “دار ضيافة المريض” وليست مكانا لإقامته، حيث يجتمع المرضى الوافدين من مختلف ولايات الوطن البعيدة عن العاصمة، خاصة المصابين منهم بمرض السرطان، ممن يحتاجون العلاج الكيميائي والإشعاعي والتحاليل الدورية في هذه الدار التي تعتبر نموذجا حيا يرتقي بالعمل الخيري، ويوفر كل الإمكانيات المادية والنفسية لتحقيق تكفل تام بالمرضى، الذين يتعذر عليهم الذهاب إلى بيوتهم لبعد المسافة وحاجتهم للعلاج الدوري، وتتسع هذه الدار لأكثر من 70 مريض، وتضم جناحا خاصا بالنساء وآخر للرجال، هذا وبالإضافة لقاعة للأطفال تحوي ألعاب ومكتبة، بالإضافة لكل المرافق الضرورية، ويسهر على خدمة نزلاء دار ضيافة المريض، فريق متكون من 16 موظف وموظفة براتب شهري ثابت ومشجع، وهذا لضمان التكفل اللائق بالمرضى.
داليا يحياوي (مشرفة): “أولوياتنا تتمثل في توفير مناخ صحي وظروف مثالية لرعاية المرضى”
وفي هذا الصدد أكدت لنا السيدة داليا يحياوي المشرفة على إقامة دار ضيافة المريض التي تنضوي تحت لواء “جمعية طيبة للبر والإحسان” قائلة: “أولوياتنا تتمثل في توفير مناخ صحي وظروف مثالية لرعاية المرضى من حيث النظام الغذائي الذي يقوم عليه مختصون يعملون بالتنسيق مع الأطباء المشرفين على هؤلاء المرضى، كما توفر الدار الإقامة لمدة قد تصل لثلاثة أشهر، ومن حيث العلاج فالجمعية توفر سيارة خاصة تنقل المرضى من وإلى المستشفيات لتلقي لعلاج، كما تعمل على توفير الدواء وكل مستلزمات العلاج، ليضاف إلى العلاج النفسي الذي يشرف عليه أهل الاختصاص في المجال”.
ظروف راقية للأطفال المصابين بالسرطان
تعمل جمعية طيبة للبر والإحسان بالتنسيق مع المستشفيات المتواجدة على مستوى الجزائر العاصمة، خاصة الأقسام الخاصة بالأطفال المصابين بالسرطان، ويتم في هذا العمل التشاركي اختيار الأطفال الوافدين من الولايات الداخلية، الذين يحتاجون للعلاج الدوري، ولأنه يتعذر عليهم البقاء في المستشفيات لنقص الأماكن وعدم حاجتهم لذلك، فقد ضمنت لهم دار ضيافة المريض رفقة ذويهم المبيت والأكل والرعاية النفسية، كما يحرص القائمون على هذه الدار على الالتزام بالمواعيد الطبية للمرضى، ونقلهم إلى المستشفيات للعلاج الإشعاعي.
رعاية من أعلى مستوى والمسؤولون لم ينسوا الجانب الترفيهي للأطفال
توفر هذه الإقامة المميزة للأطفال جوا من المتعة والترفيه، من خلال قاعة مخصصة للألعاب، وفي هذا السياق، تعمل المربية والمختصة النفسانية على تقديم الرعاية النفسية والتربوية للمرضى، حيث يتم تنظيم رحلات ترفيهية للحدائق العامة والمنتزهات، أما بالنسبة للأطفال المتمدرسين، فيتم مساعدتهم من خلال تقديم دروس تدعيمية لتدارك ما فاتهم من دروس جراء الغياب المتكرر الذي يفرضه برنامج العلاج، كما قامت دار ضيافة المريض بمبادرات في إطار العلاج النفسي للمريضات تمثلت في دورات تكوينية في الحرف التقليدية، ولقيت استحسانا كبيرا كما جعلت الكثيرات تتحدين المرض، وتبدعن في هذا المجال.
جمعية طيبة للبر والإحسان تتكفل بـ 1600 مريض بالقصور الكلوي
فيما يتعلق بجمعية طيبة للبر والإحسان فقد عملت على التكفل بمرضى القصور الكلوي لعدة اعتبارات منها، الجانب المادي المكلف للعلاج والذي يجعل المريض يعاني، وهو ما تراعيه الجمعية حسب مستشار رئيس الجمعية السيد الحاج العمري الذي كشف لنا في حديث جانبي معه: “ارتباط المريض الدائم بآلة تصفية الدم خاصة في المناطق النائية والولايات الداخلية يجعله يعاني من الناحية النفسية والمادية، وهذا ما يثقل كاهله بتكلفة العلاج التي تتعدى في الكثير من الأحيان إمكانياته”.
وأمام النقص الفادح في آلات تصفية الدم بالمستشفيات، خاصة خارج العاصمة، يضطر بعض المرضى للذهاب إلى مراكز تصفية الدم الخاصة والتي تضاعف معاناتهم من الناحية المادية، وفي هذا المجال عملت جمعية طيبة للبر والإحسان على توفير إعانة مادية دورية لـ 1600 مريض قصد تخفيف هذه التكاليف، ومن جهة أخرى فقد أولت الجمعية اهتماما بالغا بالجانب التوعوي، من خلال حملات تحسيسية نظمتها بالتنسيق مع هيئات وجمعيات أخرى، ركزت فيها على التوعية الصحية المستمرة، وهذا بهدف الوقاية من المرض، كما تأمل الجمعية أن تتظافر جهود الدولة مع المحسنين للنهوض بعمليات زراعة الكلى التي حسب اعتبرها السيد العمرى الحل البديل لمعاناة الكثير من الجزائريين.
الجمعية تجوب مناطق الظل بحثا عن الفقراء بعيدا عن أضواء الإعلام
تعمل الجمعية منذ سنوات على التكفل بالفقراء خاصة أطفال المدارس بالمناطق النائية، وبعيدا عن أضواء الإعلام تقدم إعانات دورية للأطفال وذويهم، وتوفر لكل طفل ما يكفيه من اللباس طيلة عام كامل، وقد أكد لنا السيد العمري مضيفا: “تم بفضل المولى عز وجل وبتمويل كامل من رئيس الجمعية التكفل بـ2000 طفل في ربوع الجزائر خلال السنة الماضية، وقد تم في الفترة الأخيرة زيارة 4 مدارس في ولاية المسيلة أين تم الاطلاع على وضعياتها الكارثية فهي لا تتوفر على أدنى شروط التمدرس” أما عن المتمدرسين يضيف محدثنا: “حالة الأطفال يندى لها الجبين فهم يتحملون مشاق المشي لمسافة طويلة بأقدام شبه حافية ونعال ممزقة وملابس بالية من أجل الدراسة، ونحن أمام هذه المعاناة نتحمل جميعا المسؤولية”.
الجمعية تدعم الطلبة النجباء والاستثمار العلمي ضمن أولوياتها
قناعة من القائمين على جمعية طيبة للبر والإحسان بأن العلم هو سبيل النهوض بالمجتمعات وترقيتها، عملت الجمعية على البحث عن التلاميذ والطلبة النجباء أو المتفوقين دراسيا من الفقراء لتضمن لهم الدعم المادي اللازم، وكخطوة تستحق التنويه والإشادة فقد سعت لتقديم منح دورية لفائدة أبناء العائلات المعوزة بثانوية الرياضيات بالقبة (الجزائر العاصمة) التي تستقطب التلاميذ الناجحين والمتفوقين من جميع أنحاء الجزائر بمعدلات عالية في شهادة التعليم المتوسط، كما كانت الجمعية حاضرة بتمويلها الرسمي للطلبة الجزائريين المشاركين في الأولمبياد العالمي للرياضيات للعام الخامس على التوالي، وتعمل الجمعية في هذا الإطار على تقديم منح للطلبة المحتاجين خاصة من يدرس في مجال الطب، وللإشارة فالجمعية لا تنتظر الفقير ليقصدها بل هي من تبحث عليه من خلال تحريات أعضائها وتواصلها مع هيئات وممثلين عن المجتمع المدني.
مركز وطني للتكفل بمرضى اضطراب التوحد مشروع في الأفق
أمام العجز الكبير لهياكل التكفل واستقبال مرضى اضطراب التوحد، بادرت جمعية طيبة للبر والإحسان إلى إطلاق مشروع إنشاء مركز وطني بأبعاد دولية للتكفل التام بالأطفال المصابين بهذا المرض، وقد تم بناء هذا المركز الذي قد يستوعب كل المصابين باضطراب التوحد في الجزائر، ولكن المشروع لم ير النور بعد على الرغم من انتهاء الأشغال به سنة 2018 بسبب عوائق إدارية على مستوى وزارة التضامن، حسب ما أكده الحاج العمري.
الحاج العمري (مستشار رئيس الجمعية): “نسعى إلى الاهتمام بمرضى التوحد وإدماج مرضى متلازمة داون من بين أولوياتنا”
وفي حديث مع الحاج العمري، تحدث عن المركز وقال موضحا أهدافه النبيلة: “سر الاهتمام بهذا المرض لا يرجع إلى النقص الكبير في المرافق الخاصة بالمرضى فحسب، بل لأن الكثير ممن يعانون من اضطراب التوحد مهددون بالجنون إذا لم نوفر لهم الرعاية الصحية والنفسية والبيداغوجية، وهذا ما نسعى إلى تحقيقه من خلال هذا المشروع”، وأضاف محدثنا: “المركز قادر على التكفل الكامل بأكثر من 50 طفل مصابا، سنعمل على استقطاب خبراء في المجال وتنظيم ملتقيات وطنية ودولية قصد التكفل بهذه الشريحة التي لم تجد أي اهتمام، وفي هذا الصدد، نسعى إلى إدماج المصابين بمتلازمة داون وأمراض أخرى نادرة، والتي تشكل عبئا كبيرا على الأسر خاصة الفقيرة”.
وفي انتظار عقد اتفاقية مع وزارة التضامن لتفعيل هذا المشروع، لا تزال جمعية طيبة للبر والإحسان تقدم خدماتها وتدعو إلى إنشاء مؤسسات خيرية بدل جمعيات مثلما هو الحال في الدول المتقدمة، وهذا ما يؤطر العمل الخيري وبه يتحقق التوازن الاجتماعي.
زهور بن عياد
مناقشة حول هذا المقال